على عكس الممارسين التقليديين في مجال التوظيف الذين يعملون بشكل تفاعلي لملء الوظائف الشاغرة فورًا، يتعامل مسؤولو اكتساب المواهب مع التوظيف كعملية استراتيجية مستمرة. فهم يركزون على تخطيط القوى العاملة، وبناء العلامة التجارية لصاحب العمل، وتطوير قاعدة مرشحين، لضمان أن يكون لدى المؤسسة الكفاءات المطلوبة اليوم وفي المستقبل.
في قطاعات تنافسية مثل التكنولوجيا والرعاية الصحية والتمويل، لم يعد دور مسؤول اكتساب المواهب خيارًا، بل أصبح ضرورة لضمان استدامة النمو والابتكار.
يتمثل دور مسؤول اكتساب المواهب في البحث عن الكفاءات وجذبها وتوظيفها، لكن مهمته تتجاوز ذلك بكثير. إذ يعمل جنبًا إلى جنب مع قادة الأعمال لفهم احتياجات القوى العاملة ووضع استراتيجيات توظيف متوافقة مع أهداف المؤسسة. وتشمل أبرز مسؤولياته:
تخطيط القوى العاملة: التنبؤ بالاحتياجات المستقبلية بدلًا من الاكتفاء بالوظائف الحالية.
بناء العلامة التجارية لصاحب العمل: إبراز قيم الشركة وثقافتها ومزاياها لجذب الكفاءات.
استقطاب المرشحين: استهداف الباحثين النشطين وغير النشطين عبر الشبكات والإحالات والمنصات الرقمية.
المقابلات والفرز: تقييم المتقدمين بناءً على المهارات والملاءمة الثقافية.
تجربة المرشح: ضمان تواصل سلس وواضح واحترام المرشحين طوال مراحل التوظيف.
بهذا يصبح مسؤول اكتساب المواهب شريكًا استراتيجيًا في تطوير المؤسسة وليس مجرد مجنّد للوظائف.
يحتاج هذا الدور إلى مزيج من المهارات الناعمة والتقنية. فمهارات التواصل أساسية للتفاعل مع المرشحين والمديرين، إضافة إلى مهارات بناء العلاقات التي تساعد في استقطاب الكفاءات مبكرًا.
كما أن القدرة على استخدام البيانات أصبحت أمرًا لا غنى عنه، من خلال أنظمة تتبع المتقدمين (ATS) وتحليلات التوظيف لقياس الأداء. كذلك تبرز أهمية التكيّف السريع مع تغيرات سوق العمل. ومن أبرز المهارات:
التفاوض: تحقيق التوازن بين توقعات المرشحين وميزانيات الشركات.
الوعي الثقافي: تعزيز ممارسات توظيف شاملة.
إجادة التكنولوجيا: الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، ولوحات الوظائف، ومنصات التوظيف عبر التواصل الاجتماعي.
يُنظر إلى التوظيف غالبًا كحل تكتيكي قصير المدى يهدف إلى شغل الوظائف الشاغرة بسرعة. أما اكتساب المواهب فهو نهج استراتيجي طويل المدى، يركز على بناء مسار مستدام للقوى العاملة.
على سبيل المثال: قد يُطلب من مسؤول التوظيف ملء عدة شواغر عاجلة، بينما يعمل مسؤول اكتساب المواهب على بناء شبكة من المرشحين ذوي الخبرة استعدادًا لتوسع الشركة خلال السنوات القادمة.
وجود هذا الدور يمنح الشركات ميزة استراتيجية واضحة، منها:
الوصول إلى أفضل الكفاءات: استهداف المرشحين غير النشطين ذوي الإمكانات العالية.
خفض معدل دوران الموظفين: عبر اختيار مرشحين يتوافقون مع ثقافة المؤسسة.
تعزيز سمعة صاحب العمل: جعل الشركة مكانًا جاذبًا للكفاءات.
زيادة الكفاءة: ملء الوظائف بسرعة وبتكلفة أقل.
الارتباط بالأهداف الاستراتيجية: ضمان توافق عملية التوظيف مع خطط النمو.
رغم أهميته، إلا أن هذا الدور يواجه تحديات كبرى، منها ندرة الكفاءات في بعض القطاعات، وارتفاع توقعات المرشحين فيما يتعلق بالمرونة وفرص التطوير. كما أن سمعة الشركة وثقافتها الداخلية تؤثر بشكل مباشر على قدرتها على استقطاب المواهب.
التكنولوجيا أصبحت ركنًا أساسيًا في عمل مسؤولي اكتساب المواهب. بدءًا من أنظمة تتبع المتقدمين، مرورًا بالذكاء الاصطناعي الذي يسرّع فرز السير الذاتية، وصولًا إلى الشبكات الاجتماعية التي تفتح المجال للتواصل مع المرشحين عالميًا.
التحليلات المستندة إلى البيانات تمنح رؤى دقيقة حول أنماط التوظيف وفعالية الحملات، ما يساعد المسؤولين على تحسين استراتيجياتهم باستمرار.
من المتوقع أن يتوسع هذا الدور مستقبلًا مع انتشار العمل عن بُعد والهجين، وزيادة المنافسة على نفس الكفاءات عالميًا. كما سيصبح التركيز على التنوع والشمولية أكثر محورية، إلى جانب أهمية العلامة التجارية لصاحب العمل كعامل جذب أساسي.
ورغم صعود الذكاء الاصطناعي والأتمتة، فإن البعد الإنساني في العلاقة بين المرشحين والشركات سيبقى في صميم دور مسؤول اكتساب المواهب.
مسؤول اكتساب المواهب ليس مجرد موظف توظيف، بل هو شريك استراتيجي في بناء مستقبل المؤسسة. بفضل دوره في تخطيط القوى العاملة، وتعزيز العلامة التجارية، وتطوير قنوات استقطاب الكفاءات، يساهم بشكل مباشر في تنافسية ومرونة الشركة.
لمن يرغب في تطوير خبراته بهذا المجال، يمكنكم الالتحاق بـ دورات إدارة الموارد البشرية التي يقدمها معهد لندن كراون للتدريب والتي تركز على أحدث استراتيجيات تخطيط القوى العاملة واكتساب المواهب وربطها بأهداف النمو المؤسسي.